بقلم/ هشام عبد السلام موسى
لازالت الأيام كل يوم تفجعنا في عزيز، وتأخذ منا كل غال، ويصدق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يعجل بخياركم)، وبمزيد من الحزن والأسى تلقينا خبر وفاة المغفور له بإذنه تعالى القائد/ سالم جمعة سويكر خليل- من ليبيا الشقيقة، وقد ولد رحمه عام 1945 في الكويفية ببنغازي بليبيا، وحصل على ليسانس الآداب والتربية، وعمل مدرسا، وانتسب للحركة الكشفية عام 1960، وحصل على الشارة خشبية، وله العديد من المساهمات والمشاركات في الدراسات والدورات الكشفية في جميع الانشطة المقامة في مفوضية بنغازي علي مستوي ليبيا.
وشارك في العديد من المخيمات العربية منها: السادس في مصر، والسابع في ليبيا، والحادي عشر في لبنان، والخامس عشر والتاسع عشر في ليبيا، كما حضر العديد من اللقاءات والندوات منها دورة المفوضين العرب بليبيا، وندوة الاعلام والعلاقات بسوريا، وغيرها من عشرات الدراسات.
وشارك في العديد من الأعمال التطوعية والخدمية، حيث أشرف على مزرعة الكشافة في تاجوراء من ضواحي طرابلس، كما تدرج في المناصب الكشفية من مفوض حلقة الفتيان، ثم المفوض التنفيذي، ثم أمين التجهيزات، وله مساهماته في إدارة مجلة جيل ورسالة التي كانت تصدرها الكشافة الليبية، ثم أصبح المفوض العام، كما حصل على العديد من الأوسمة منها، وسام المرج من الطبقة الأولى، ووسام غصن الزيتون، ووسام الخدمة العامة، كما شغل عضوية العديد من اللجان الوطنية في مجالات البيئة وخدمة وتنمية المجتمع والشباب.
وتقديرا لإسهاماته على المستوى الوطني والعربي فقد منحته اللجنة الكشفية العربية قلادة الكشاف العربي عام 2013 خلال المؤتمر الكشفي العربي ال27 الذي عقد في الجزائر.
موقف لن أنساه:
في عام 1997 كان يوافق مرور 85 عاما على نشأة الكشافة العربية، وكان وقتها الرواد المؤسسين للتنظيم الكشفي العربي منذ نشأته في عام 1954 لم يتبق منهم على قيد الحياة إلا أربعة قادة –آنذاك- هم: علي الدندشي (سوريا)، وعزيز بكير (مصر)، ومحمد الهبري (لبنان)، وعبد الله الزواغي (تونس)، فقدمت مقترحا للأمين العام للمنظمة المرحوم فوزي فرغلي، بحكم عملي كمدير للعلاقات والإعلام بالمنظمة آنذاك، حول تنظيم حفل بمناسبة الذكرى ال85، فأعجبته الفكرة لكنه أضاف عليها وقال: جهز المشروع، وأضف عليه أن ترشح كل دولة اثنين من الرواد المؤسسين للكشافة فيها ليتم تكريمهم في الحفل، وتم توجيه النشرة والدعوات للجمعيات، وتلقينا الترشيحات بأسماء المكرمين من قبل الجمعيات، وكانت في معظمها ممن تنطبق عليهم الشروط، إلا المرشحين من قبل الكشافة الليبية، فقد قاموا بترشيح كلا من: سالم جمعة سويكر، وخليل الترك رحمهما الله، فلم يكونا من الرواد المؤسسين للكشافة في ليبيا، فراجعت المرحوم فوزي في ذلك، فقال: طالما أن جمعيتهم قد رشحتهم فليس لنا أن نعترض.
وأقيم الحفل بالفعل في مقر المركز الكشفي العربي بالقاهرة في شهر نوفمبر 1997، وحضر جميع المكرمين إلا قلة حالت ظروفهم دون ذلك، وحضر المرشحين من ليبيا، وحضر معهما أيضا كلا من الدكتور/ منصور الكيخيا، ورمضان الإدريس، وفي اليوم السابق للتكريم دخل علي مكتبي في الصباح الباكر المرحوم/ سالم سويكر وقال لي: هل ممكن أن أنسحب من الترشيح؟، فقلت له: ولماذا؟، فقال: عندما أبلغوني في ليبيا قالوا لي أنه سيتم تكريمي، ولكن لم يخبروني أن التكريم لهذا المستوى من الرواد الأوائل المؤسسين، وأنا لا أساويهم ولا أدانيهم قدرا ولا تاريخا في الحركة.. فضحكت، وقلت له: إن لم يكن أنت فمن ترشح؟، فقال: الأولى بهذا التكريم واحد من ثلاثة.. إما د. منصور الكيخيا، أو د.محمد فحيمة، أو يوسف قنبور، فقلت له: يا أخي لقد تم ترشيحك وانتهى الأمر، وعموما أشكرك على هذا الإيثار والاعتراف بقدر الرواد، ويكفي شعورك ذلك فأنت صادق مع نفسك.
وفي نفس اليوم، وعقب تناول الغذاء، خرجت من صالة المطعم في المركز، فوجدت الدكتور/ منصور الكيخيا، يقف أمام باب المنظمة محاولا أن يوقف تاكسيا، ولم يفلح، فنزلت له وقلت: إلى أين يا قائدنا؟، فقال: أريد أن أذهب لمنطقة روكسي لشراء بعض الأغراض، فقلت له: أنا ساصطحبك بسيارتي، وأخذته إلى ما أراد، وخلال الطريق رويت له الحديث الذي صار صباحا من القائد/ سالم سويكر، فرد الكيخيا قائلا: بالعكس.. هو أولى منا بالتكريم، فأنا قد حصلت كل كل الأوسمة والقلائد عربيا وعالميا، ولست في حاجة لأي تكريم، أما هو فقد ترك عمله وبيته وتفرغ للكشافة والإشراف على مزرعتها، وأفنى كل وقته وجهده لخدمة الكشافة والفتية والقادة، أفلا نقول له شكرا، بل إنه الأولى بالتكريم.. فقلت للدكتور منصور: والله إنكما لأعظم من بعضكما، نعم المعلم ونعم التلميذ..
كانت هذا الموقف البسيط مفتاح لشخصيته، وهو أحد المواقف التي لازلت أرويها في أكثر من مناسبة عن الإيثار والاحترام بين القادة، والوفاء للكبار وتقديرهم، وكان سالم جمعة سويكر مضربا للمثل ، رحمه الله وجزاه الله عن الفتية والشباب والقادة خيرا، وألهم أهله وذويه وتلامذته ومحبيه الصبر والسلوان، وخالص عزائي للكشافة الليبية والعربية في فقده، فقد رحل عنا رجل من ذهب.